متنوع

آليات جمع التحريات في القانون الجنائي

التحريات هي ما يقوم به مأمور الضبط القضائي من جمع لكافة البيانات والمعلومات التي تصلح للبحث عن الجرائم، ومعرفة ظروفها ومرتكبيها، وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق في القضية، كل هذا من كافة المصادر المتاحة له ولمعاونيه من رجال السلطة العامة والمرشدين السريين ممن يثق بهم ويصدق ما يتلقاه عنهم من المعلومات، وفيما يلي سنقوم بتوضيح آليات جمع التحريات في القانون الجنائي، والخطوات التي يقوم بها مأمور الضبط القضائي في سبيل ذلك.

آليات جمع التحريات في القانون الجنائي

كما ذكرنا آنفا فإن لمأمور الضبط القضائي أن يستعين بكافة الطرق والوسائل المشروعة التي تمكنه من إجراء تحرياته، شريطة ألا تصل هذه السلطة إلى التعرض للحرية الشخصية أو حرمة المنازل أو استخدام وسائل غير مشروعة، ويشترط أيضًا ألا ترقى هذه السلطة إلى حد خلق الجرائم أو التحريض عليها.

وأهم الوسائل التي يعتمد عليها مأمور الضبط القضائي في جمع تحرياته، مايلي:

أولًا: الحصول على الإيضاحات

يتعين على مأمور الضبط القضائي وعلى من يتبعه أن يحصل على كافة المعلومات المتعلقة بالواقعة، وذلك مثل الاستفسار عن ظروف الواقعة، ملابساتها، أسباب وقوعها، سبق وجود خلاف بين أطراف الجريمة من عدمه، ويكون ذلك عن طريق سؤال المُبَلِغ والشهود دون تحليفهم اليمين.

ويمكن أن يشمل هذا الاستفسار أي شخص ولو كان محجوزا بالقسم على ذمة أي قضية أخرى، لأن هذا يعتبر مجرد استدلالات خاضعة لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف المحكمة.

ويمكن أن يحصل على هذه المعلومات من خلال المراقبة الشخصية للمكان أو للشخص المعني بالتحري، ويتم ذلك عن طريق البحث عن الشهود، وعن من يمكنه التعرف على الجثة إن كانت واقعة قتل، والبحث عن محل الجريمة وأدواتها، وتقصي أي أثر من الآثار الدالة على الجريمة.

ثانيًا: سؤال المتهم

بعيدا عن الاستجواب تفصيلًا، يمكن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهم الموجهة إليه ويثبت ما يجيب به في محضره، ويتضمن ذلك الاعتراف إذا ما قام المتهم بذلك على حسب ما نصت عليه (المادة 29 أ ج).

ويمكن للمأمور في ذلك أن يستدعي المتهم إذا ما كان موجودًا عن طريق توجيه طلب بالحضور دون أن يتضمن ذلك تعرضًا ماديًا يمكن أن يمس بحرية المستدعي الشخصية أو تقييدها، وفي حالة رفض الحضور يحظر على مأمور الضبط اجباره على ذلك بكافة الطرق، ويمكن التحفظ على المتهم إذا ما حاول التهرب.

ثالثًا: سماع شهادة الشهود

يحق لمأمور الضبط سؤال الشهود عن الواقعة وكل ما يتعلق بها، وذلك مثل سؤالهم عن مرتكبي الواقعة، وأسباب ارتكابهم لها، والأدلة عليها، كما يجوز أن يعرض مأمور الضبط القضائي المتهم على الشهود حتى يستطيعوا التعرف عليه.

ولكن برغم ذلك، لا يجوز تحليف الشهود اليمين القانونية وخاصة عند العرض، وذلك باستثناء حالة الضرورة وهي ما يكون بمقتضاها أنه يجوز تحليف الشاهد اليمين إذا ما كان مأمور الضبط يخشى وفاة الشاهد سواء لمرضه أو إصابته، ومن قبيل ذلك أيضًا لا يجوز لمأمور الضبط إجبار الشهود على الحضور أمامه، ولا يمكنه سوى الاستدعاء، ولا يحق له أيضًا سؤال الشهود أسئلة تتضمن تخويفاً أو تهديدًا.

رابعًا: ندب الخبراء

أجاز القانون لمأمور الضبط الاستعانة بالأطباء وغيرهم من ذوي الخبرة، وأن يطلب آرائهم كتابة أو شفاهة، ولكن يختصر صلاحيته في ذلك على أخذ الآراء فقط بغير إجبارهم ودون تحليفهم اليمين القانونية، إلا إذا كان هناك احتمالية عدم إمكانية سماع شهادتهم وآرائهم بعد ذلك بيمين، كأن يكون الخبير مقبلًا على سفر أو أنه مريض بمرض الموت.

خامسًا: الذهاب للمعاينة

يجوز لمأمور الضبط الانتقال إلى مسرح الجريمة (لإثبات الحالة، ورصد كل ما يتعلق بمسرح الجريمة ومحيطه، وضبط الأشياء التي لها علاقة بالجريمة وزمانها، والأشياء الناتجة عن حدوثها، والأدوات المستخدمة في تنفيذها، كما يبين الإصابات الظاهرة في جثة المجني عليه، والحالة التي وجدت عليها الجثة، ووصف حالة الملابس التي كان يرتديها وذلك إذا كان المجني عليه قد مات أما إذا ما زال حيًا فإنه يصف حالته وما بحوزته على وجه الدقة).

ولكن لا يجوز للمأمور إجراء المعاينة في كل الحالات، فيكون ذلك بحسب المكان الذي تجري عليه المعاينة: فإذا كان المحل الذي تقوم فيه المعاينة من قبيل الأماكن العامة والطرق وما إلى ذلك يعد استدلالًا، أما إذا كان إجراء المعاينة يتم في المنازل أو ما في حكمها يعد ذلك من التحقيقات، وهو ما لا يعد من صلاحيات مأمور الضبط القضائي إلا برضاء حائز المنزل أو بتصريح من النيابة العامة.

سادسًا: اتخاذ الوسائل التحفظية اللازمة

لمأمور ضبط القضائي في غير حالات التلبس اتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة التي تحول دون هروب المتهم أو العبث بأدلة الجريمة إلى أن يطلب من النيابة العامة إصدار قرار بالقبض عليه، وذلك مثلما أن يعين حراسة على منزل الجاني، وتجريده من الأسلحة، وما بيده من أدوات ارتكب بها الواقعة، أو أشياء تحصل عليها منها.

ويكون اتخاذ هذه الإجراءات التحفظية بشرطين، هما:

  • الشرط الأول: أن تتوافر في المتهم الأدلة الكافية على ارتكاب الجريمة ونسبتها إليه، وتكون هذه الأدلة من قبيل الشبهات والإمارات القوية التي تشير بقوة إلى ارتكاب هذه الحادثة الإجرامية، وبصلة هذا الشخص بها، فتكون هذه الشبهات في مرحلة ما بين الشك وبين اليقين والجزم، واستخلاص هذه الأدلة يكون من صلاحيات مأمور الضبط القضائي وتحت رقابة محكمة الموضوع والنيابة العامة. واستخلاصا لما سبق فإن مجرد الإبلاغ عن الجريمة والاشتباه فقط بدون توافر أدلة كافية لا يبرر اتخاذ إجراءات تحفظية ضد هذا الشخص.
  • الشرط الثاني: أن تكون هذه الواقعة تعد جناية بكافة أنواعها أو هناك حالة جنحة سرقة أو نصب أو مقاومة رجال السلطة أو تعدي شديد ويستوي أن تكون الجريمة قد وقعت تامة أو وقفت عند حد الشروط ما كان هذا الشروع معاقباً عليه وما لا يعد من قبيل ما سبق ذكره فلا يجوز لمأمور الضبط القضاء اتخاذ الإجراءات التحفظية ضده

شروط صحة التحريات

يشترط للقول بصحة التحريات التي أجراها مأمور الضبط القضائي توافر شرطين لازمين هما:

عدم مساس التحريات بحرمة الأشخاص أو بحرمة مساكنهم وحقوقهم الشخصية

كما ذكرنا آنفًا يجوز لمأمور الضبط الاستعانة في إجراء التحريات بكافة الوسائل المشروعة التي لا تمس حرية الأشخاص وحرماتهم، فما دون ذلك يعد من قبيل الوسائل الغير مشروعة، ومن هذه الوسائل:

  • استراق السمع.
  • التنصت.
  • النظر من ثقوب الأبواب.
  • خلق فكرة الجريمة أو التحريض على ارتكابها بطرق الغش أو الخداع.

وما يعد من قبيل الوسائل المشروعة في التحريات ما يلي:

  • مسايرة مأمور الضبط القضائي للجاني بقصد جريمة يرتكبها.
  • التخفي أو انتحال الصفات، واصطناع المرشدين سرًا أو جهرًا.
  • التظاهر بالرغبة في شراء المواد المخدرة من المتهم حتى إلقاء القبض عليه متلبسًا.
  • الاستعانة بالكلاب البوليسية للتعرف على المتهم.

أن تكون التحريات جدية ودقيقة

ويحدد مدى دقة هذه التحريات في بادئ الأمر مأمور الضبط القضائي ويخضع تقديره لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وضرورة اشتراط جدية التحريات ودقتها لكي تكون صحيحة يؤخذ بها، نابغة عما يترتب عن هذه التحريات من إجراءات خاصة عندما يتعلق الأمر بوقوع الجريمة من عدمه ونسبتها إلى المتهم.

وفي العادة لا يعد ما ورد في هذه التحريات لازماً لجهات التحقيق والمحكمة، إلا أن المشرع تطلبها عند القيام ببعض إجراءات التحقيق، ومن قبل هذه الإجراءات “إذن التفتيش” والذي لا يجوز إصداره إلا بناء على تحريات جدية، حيث عدم توافر هذا الشرط قد يؤدي إلى رفض صدور الإذن بالتفتيش.

واجمالًا لما سبق، بينا آليات جمع التحريات في القانون الجنائي، وما يقوم به مأمور الضبط القضائي من جمع لكافة البيانات والمعلومات والاستدلالات التي تصلح للتحقيق في القضية، كما وضحنا شروط صحة التحريات وما يشترط للأخذ بها.

إسراء عرفه

إسراء عرفه، درست بكلية الحقوق، وبجانب تخصصي أهوى القراءة والكتابة جدًا؛ لذلك بدأت في مجال كتابة المحتوى، وبالإضافة إلي كتابتي في مجال القانون، لدي خبرة في كتابة مقالات في مجالات أخري كالسياحة، والتعليم، والثقافة، والخدمات وغيرهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى